في ظني أن أهم محافظة في الوطن العربي, هي البحيرة, لأنها تعطيني الأمل عندما أبحث وأنقب عن نقطة نور, فهذه المحافظة حصدت جائزتين من جوائز نوبل بواسطة ابنين من أبنائها, فقد نالها نجيب محفوظ ابن رشيد, في الأدب, وأحمد زويل من دمنهور في العلوم.
كما أنجبت البحيرة روادا عظاما, أثروا الحياة والفن والدين والإبداع, كل في مجال تخصصه, فقد أنجبت من الشيوخ الشيخ المستنير محمد عبده, الذي مازالت فتاواه التقدمية والمستنيرة صالحة لهذا الزمان, رغم صدورها منذ قرن مضي, كما أنجبت ذلك الحين الشيخ علي يوسف الذي كسر هيبة التفاوت الطبقي متمردا علي التقاليد, متزوجا صفية السادات وهي من علية القوم, رغم أنه جورنالجي, وهي مهنة غير لائقة في ذلك الزمان.
وهي محافظة الشيخ حسن البنا, مؤسس جماعة الإخوان المسلمين, التي جابت شهرتها الآفاق, والشيخ محمود شلتوت, شيخ الأزهر, وأول من اجتهد في تقريب المذاهب الدينية في الإسلام, وهو من إيتاي البارود, الذي ألف فيها أيضا الشيخ محمد الغزالي أكثر من خمسين كتابا, وهذه المدينة أنجبت محمود سامي البارودي مجدد الشعر العربي, كما أنجبت توفيق الحكيم بنص مذكراته سجن العمر والأستاذ أحمد أمين, بنص سيرته حياتي مؤلف فجر وضحي وعصر الإسلام, وبالتالي يكون أولاده حسين وجلال بالوراثة من البحيرة, مسقط رأس الدكتور عبدالوهاب المسيري, صاحب الموسوعة الرائدة عن اليهود, وعائلة المسيري بالطبع, وهي التي أنجبت محمد صدقي جوركي مصر وأمين يوسف غراب, ومحمد عبدالحليم عبدالله, والشاعر علي الجارم, والموسوعة محمد عناني, والمبدع والناقد فتحي أبو رفيعة,المقيم في نيويورك, الذي يحتفي بأي عمل إبداعي حقيقي في صحيفة القدس العربي, وهي محافظة الروائي الكبير علاء الديب, صاحب الأفضال المتعددة علي المبدعين المصريين الحقيقيين, وأخيه بدر الديب, كما أن إيتاي البارود بلد الأسطورة أدهم الشرقاوي, المعروف, والدكتور أحمد جويلي, وزير التموين السابق, وهي كذلك محافظة الدكتور مصطفي الفقي,والقاص رجب البنا, والشاعر فاروق جويدة, والشاعر فتحي سعيد, والشاعر عبدالقادر حميدة, والشاعر ياسين الفيل, ومحافظة عائلة إمام المبدعين قصا ورواية وترجمة.
ومن أبنائها المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة, واللواء الحناوي قائد الطيران بعد هزيمة67, وأحمد حمروش وعوض القوفي, عضوي مجلس قيادة الثورة, وأعلي نسبة بين شهداء حرب أكتوبر من إيتاي البارود.
وهي محافظة تنبت المبدعين فى شتى المجالات والعلماء والرجال, وهناك المئات من عظماء هذه المحافظة التي لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم, وهذه المحافظة لا تأبه لمن يتنصلون من الانتماء لها, لكني كنت في الحقيقة أتمني أن يكون المبدع الكبير بحق إبراهيم عيسي ابنا من أبنائها, رمزا لمقاومة هذا الزمان.
ومن أشهر المبدعين الذين عاشوا فيها يحيي حقي, وهو بلا منازع, أستاذ ورائد القصة القصيرة في الوطن العربي ومجددها وقد عاش فترة في المحمودية, كما عاش في أحد مراكزها ـ الخطاطبة ـ الروائي الكبير إدوار الخراط أثناء الحرب العالمية الثانية, وكتب روايته الفاتنة حجارة بيبلو في هذا المكان, ولن ينسي الأدب العربي رواية وكالة عطية التي كتبها خيري شلبي في دمنهور.
ولعل أبناء الدكتور عمرو والمحاسبة رحاب والمهندس كريم يفخرون ببلدهم إيتاي البارود مثلما أفخر أنا.
وفي دمنهور عاصمة البحيرة مبني لا مثيل له في مصر, وهو نموذج طبق الأصل لمبني الأوبرا الذي تم حرقه, لذا فإنه يصح أن يكون مزارا دائما, فإذا كان عبدالرحمن صدقي يقول إن القاهرة عاصمة مصر, وإن الأوبرا التي احترقت هي عاصمة القاهرة, فالأولي مادام لدينا نسخة طبق الأصل من الأوبرا المحترقة أن نعطيها الاهتمام, ونجعلها مركزا ثقافيا لوسط الدلتا, ومزارا, وقبلة للمثقفين والمعماريين, لكن هذا المبني تحول بفضل إهمال وزارة الثقافة من مسرح وسينما إلي مأوي للفئران والثعابين, والكلاب الضالة تمهيدا لحرقه, أو لبيعه, وهي هواية عجيبة لهذه الثقافة,أصبحت نسقا وسلوكا يطبق علي كل تراثنا الثقافي والمعماري والحضاري.
هل نصدق أن محافظة البحيرة بالكامل, ليس بها سينما أو مسرح, مع تقديري للصرح الثقافي الذي شيده وزير الثقافة الراحل عبدالحميد رضوان, كما أن إيتاي البارود ليس بها قصر ثقافة أو مسرح أو سينما أو مكتبة, إن كل هذه المهرجانات وقصور الثقافة والمكتبات لم تصل إلي من يستحقها بالفعل في قري ومراكز المحافظات, بل هي للدعاية والإعلان, وتصدير المشهد الثقافي المتهريء نسيجه.